التقويم ضَرورة اجتماعية حضارية، لا غِنى لأي أمَّة مِن الأمم عنه في كل مجال مِن مجالات الحياة قديمًا وحديثًا، وقد احتاج إليه الإنسان مُنذ فجْر التاريخ، وما زالت الحاجة الملحَّة تتزايَد على مدار الزمن؛ حتى لم يَعدْ بالإمكان تصوُّرُ الحياة بدونه.
لهذا كان لكل أمة مِن الأمم تقويمُها الخاص بها، به تعتزُّ، وبه تُؤرِّخ أحداثَها وأعيادها ومناسِكَها، فهو يُمثِّل تاريخَها ودينها وحَضارتها، وهو حافظٌ لذاكرَتِها، وصُندوقٌ لذكْرياتها، وسجلٌّ لأحداثها، ومِرآة لثقافَتِها؛ لذلك وجدْنا للمِصريِّين والفُرْس والرومان والهُنود واليَهود والصينيِّين تقويمَهم الخاص بهم، حتى العربي القديم كان له تقويم يَعتمِد فيه على السنَة القمَريَّة، ولكنَّهم اعتمَدوا في تأريخهم لأحداث حياتِهم الهامة على حوادثَ تاريخيَّةٍ مُهمَّة بالنسبة لهم؛ فكان هناك عام الفيل، وحرب الفِجَار، وبِناء الكعبة... إلخ.
وعندما جاء الإسلام ظلَّ المسلمون على هذه الحالة يؤرِّخون بالأحداث الهامة، فسمعْنا قبل الهِجرة عن عام الحُزن، أما بعد الهجرة، فأخذَت السنوات الأسماء التالية:
السنة الأولى: الإذْن؛ أي: الإذن بالهجرة، والثانية: الأمر؛ أي: الأمر بالقتال، والثالثة: التمحيص، والرَّابعة: الترفئة، والخامسة: الزلزال، والسادسة: الاستئناس، والسابعة: الاستغلاب، والثامنة: الاستواء، والتاسعة: البراءة؛ أي: براءة الله ورسوله مِن المشركين، ومنعُهم مِن الاقتراب مِن المسجد الحرام، والعاشرة: اسم سنَة الوداع، وفيها حجَّ الرسول صلى الله عليه وسلم حجَّته الأخيرة (حجة الوداع).
وبعد وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم لم يتَّخذ المسلمون بدايةً لتاريخِهم في عهْد أبي بكر؛ بسبب قِصَر المدَّة، والانشِغال بحروب الردَّة، حتى خِلافة عُمر بن الخطاب؛ فقد ورَد في السنَة الثالثة مِن خِلافته كتاب مِن أبي موسى الأشعري- عاملِه على البصرة- يقول فيه: (إنَّه يأتينا مِن أمير المؤمنين كُتبٌ، فلا نَدري على أيٍّ نعمَل، وقد قرأْنا كتابًا محلُّه شعبان، فلا ندري أهو الذي نحن فيه أم الماضي؟!)، عِندها جمع عُمر أكابر الصحابة للتداول في هذا الأمر، وكان ذلك في يوم الأربعاء 20 جمادى الآخرة من عام 17هـ، وانتهَوا إلى ضرورة اختيار مبدأ التاريخ الإسلامي، وتبايَنتِ الآراء: فمنهم مَن رأى الأخْذ بمَولد النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومنهم مَن رأى ببعثَتِه، ومنهم مَن رأى العمل بتقويم الفُرس أو الروم، لكنَّ الرأي بينهم استقرَّ على الأخذ برأي علي بن أبي طالب، الذي أشار إلى جعْل مبدأ التقويم هِجرةَ الرسول صلى الله عليه وسلم وقد اتخذ أول المُحرَّم مِن السنَة التي هاجَر الرسول صلى الله عليه وسلم فيها مبدأَ التاريخ الإسلامي، فأقرَّهم عُمر على ذلك، هذا مِن الناحية التاريخية، أما مِن ناحية التقويم والحِساب، فقد اتُّفق على أن يَكون أوَّل المحرَّم سنة 1 للهجرة هو يوم الجمعة 16 تموز/يوليو سنة 622م، وهو سنة 4382 عبري، وسنة 933 للإسكندر، وسنة 1375 روماني، وسنة 338 قبطية.
(لقد فَهِم الصَّحابة رضي الله عنهم قيمَة الهِجرة النبويَّة، فجَعلوها مبدأً للتأريخ، فلم يُؤرِّخوا بمولِده ولا ببعثَتِه صلى الله عليه وسلم ولا بغزْوة بدر التي سجَّلتْ أول انتِصارٍ للإسلام على الشرْك والمُشرِكين، ولا بفتْح مكَّة الذي طهَّر الله به البيتَ الحرام مِن عِبادة الأوثان.
إنَّ كل هذه الأحداث تَصلُح لأنْ تكون مبدأً للتأريخ الإسلامي، لولا ما يَقترن بكل منها مِن معنى يتَضاءل أمام ما تَحمِله الهجرة مِن أحداث ودروس مُستفادة ونتائج إيجابيَّة.
فالميلاد- ميلاد المُصطفى صلى الله عليه وسلم وإن كان هو مبدأ انبثاق النور المحمَّدي، إلا أنه ربَّما صرَف الناس إلى الاهتمام بذات الشخْص، والإسلام دين مبادئ لا دين أفراد، دين يَربط المسلم بربِّه مُباشرة، ولا يَصرفه لعبدٍ مِن عِباده وإن كان خير خلْق الله- صلَّى الله عليه وآله وسلَّم.
أما البعْثة، فهي في الحقيقة أولُ مَظهر تجلَّت فيه عِناية الرحمن بهداية الخلْق مِن جديد، بعد أن انحرَفوا عن الصراط المُستقيم، ومع ذلك فإنَّ البعْثة لم يتحقَّق المُراد منها إلا بعد الهجرة.
كذلك وقْعة بدر وفتح مكة، فإنهما معركتان هامتان، أذلَّ الله بهما الكفْر ودولته، ومكَّن المسلمين في أعقابهما مِن عدوِّهم تمكينًا، إلا أننا لو نظرْنا بعَين الواقع لوجدْناهما مِن ثمرة الهجرة.
فالهجرة إذًا هي المَوقِف الحاسم في تاريخ الإسلام، وكل ما تحقَّق بعدها مِن نجاحات فهو محسوب لها، وراجِع إليها)[1].
فهم الصَّحابة رضي الله عنهم أنَّ الهجرة عمل جماعيٌّ اشتَرك فيه رسول الله- صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- وأهلُ بيتِه، وصَحابته، وفقراء المسلمين وأغنياؤهم، ورجالهم ونِساؤهم، وصَغيرهم وكبيرهم، وحُرُّهم وعبْدهم، الكل في بِناء الدولة سواء، ميزانُهم في التمايز ميزان مُطلَق: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، وهنا ذابَت العصبيَّاتُ والعُنصريات والقبَليات في بُوتقة الإيمان والعمل الصالح، وهذا أساسٌ للنجاح في كل عملٍ، وهذه دعوة الإسلام.
فَهِم الصَّحابة رضي الله عنهم أهمَّ نتيجةٍ من نَتائِج الهجرة النبويَّة إلى المدينة، وهي إقامة الدولة الإسلاميَّة والمجتمع الإسلامي، الدولة التي تُظِلُّ تحتَ لوائها كُلَّ مَن آمَن بالله تعالى، ويكون فيها فَرْدًا صالحًا، يَعبُدُ ربَّه دون خَوْفٍ من عَدُوٍّ يتربَّص به، أو كافر يَكمُن له؛ فقد بدأت الدولة الإسلامية أولى خُطواتها بوصول المصطفى- صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- إلى المدينة المنورة، ووضَع وثيقة المدينة، وهي أول دُستور مَكتوب في الدولة الإسلامية؛ حيث نُظِّمت الحقوق والواجبات، وحُفظت التوازُنات مع المسلمين واليهود وغيرِهم في المدينة المنوَّرة، وبدأ في بناية المسجد والسوق، وإقامة الجُمعة والجماعات المُعلَنة والآمِنة، وإعداد الجيوش لصدِّ العُدوان وحفْظ هيبة الدولة، وعقْد العقود مع دول الجوار، ومِن هذه الدولة المحددة الحدود والمعالم بقيادة واحدة موحَّدة، انطَلق سُفراء النبي- صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- إلى رؤساء وعُظماء فارس والروم والقبْط واليمَن والحبَشة؛ لذلك كانت الهجرة النبوية هي التجسيدَ الحقيقيَّ لرسالة الإسلام المحلية والعالَمية، وبدأت التشريعاتُ بعْدها، وانطلَقت الدولة.
فَهِمَ الصَّحابة رضي الله عنهم كيف فرَّقت الهجرة بين عهدَين؛ عهد مكَّة، الذي كانوا يخافون فيه على أنفسهم وأموالهم وأهليهم، ولا يَقدِرون على مُمارسة شعائر دينِهم، وذاقوا فيه أشدَّ أنواع التنكيل؛ فقُتِّلوا وشُرِّدوا وأوذوا وحوصِروا وعُذِّبوا، وما آل ياسر وبلال وخبَّاب- وغيرُهم الكثير- عنَّا ببعيد، بل طال هذا الإيذاء النبيَّ صلى الله عليه وسلم وعهد المدينة، وعجبًا لهؤلاء القوم الذين خرَجوا فرارًا بدينهم، بعد مدَّة يسيرة مِن الهجرة يعودون إلى مكَّة فاتِحين مُنتصِرين، ويَزأَر مُؤذِّنهم فَوق الكعبة: الله أكبر.
بين عهدَين؛ عهدِ القِلَّة، فمَن خرَج مُهاجرًا مِن المسلمين بعد سنوات الكِفاح في مكَّة بضْعُ عشرات، وعهدِ الكثْرة، فمَن عاد إلى مكة في السنة العاشِرة مِن الهجرة في حَجَّة الوداع مع النبي صلى الله عليه وسلم مائةُ ألف مسلم كما في بعض الروايات، بل ذكر البعض الآخَر زيادةً على هذا العدد بمقدار النِّصف تقريبًا.
فَهِم الصحابة رضي الله عنهم أن الهجرة لم تكنْ فِرارًا مِن الميدان، ولا مجرَّد انتقال مِن بلد إلى بلد؛ وإنما كانت هجرةً مِن أرضٍ جثَم فيها الشركُ، وحكَمها الجهلُ، وسادَها البغْيُ، إلى أرض سطَع فيها نورُ الحقِّ، وأشرَق منها ضياءُ التوحيد.
فَهِم الصحابة رضي الله عنهم أن الهجرة كانت ثورةً على الظُّلم: ظُلمِ النفس بالشرك والرذيلة، وظُلمِ المجتمَع بالطُّغيان والفوضى.
فَهِم الصحابة رضي الله عنهم أن الهجرة كانت حربًا على الضعْف الإنساني في شتَّى صُوَره وألوانه، وانتصارًا للحق مهْما بطشَتْ به قوةُ الباطل.
فَهِم الصحابة رضي الله عنهم قيمةَ التضحيات التي قدَّمها المسلمون في الهجرة، والنماذج كثيرة:
صُهيب الرومي، أبو سلمة وأم سلمة وابنهما......
ثم ما قدَّمه أبطال رحلة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم: الصديق أبو بكر، علي بن أبي طالب، عبدالله بن أبي بكر، عامر بن فُهَيرة، أسماء بنت أبي بكر، عائشة بنت أبي بكر، وحتى الدليل غير المسلم عبدالله بن أُرَيقِط، وقبْل كل هؤلاء وبعدَهم النبيُّ- صلَّى الله عليه وسلَّم.
تَضحيات فرديَّة طوال الرحلة، كان مِن الممكن لأيٍّ مِن هؤلاء أن يُقتَل في أيِّ لحظة، لكنْ كل شيء يَهون؛ نصْرةً لدين الله.
كذلك كانت التضحيات الجماعية مِن أهل مكة، الذين تركوا الوطن والعمل والسكن والأهل إلى مجهول، ثم تضحية أهل المدينة الذين- على قِلَّة حالِهم- استقبلوا هؤلاء الوافِدين خير استقبال، وأنزلوهم خير منزل، فاستحق هؤلاء وهؤلاء ثناء الله عليهم بقوله في قرآن يُتلى إلى أن يقوم الناس لربِّ العالمين: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 8- 10].
فَهِم الصحابة رضي الله عنهم معنى الأخوَّة الحَقيقة التي أرساها النبي صلى الله عليه وسلم عند هجرته، أخوَّة لا تقوم على العصبيَّة ولا الجنْس ولا اللَّون؛ وإنما أُخوَّة حقيقية عنوانها: (لا إله إلا الله، محمَّد رسول الله) فوق كل شيء، حتى وصلتْ درجات هذه الأخوَّة إلى التوارُث في العهد الأول من الهجرة، حتى وصلت هذه الأخوة إلى إرادة اقتِسام الأخ مالَه مع أخيه، وتَطليق مَن يختارها أخوه مِن زوجتَيه، حتى وصلت (إلى مرور مصعب بن عُمير بأخيه أبي عزيز بن عمير الذي خاض المعركة ضدَّ المسلمين وهو أسير لدى أحد الأنصار، فقال له: اشْدُد عليه وثاقه؛ فإن أمَّه ذات متاع، لعلَّها تفديه منك، فقال أبو عزيز لمصعب: أهذه وَصاتك بأخيك؟ قال مصعب: إنَّ هذا الأنصاريَّ هو أخي دونك)[2].
فَهِم الصحابة رضي الله عنهم من الهجرة أنَّ المسلم الحقيق إذا أراد النجاح يَنبغي أن يُنظِّم حياته على عُنصرَين أساسيين، هما: الأخذ بالأسباب، والتوكُّل على الله؛ فالمتأمِّل في قصَّة المعراج يعلم أن النبِيَّ صلى الله عليه وسلم قضَى رحلته تلك اللَّيلةَ إلى السَّموات السبع حتَّى وصل إلى سِدْرة المنتهى، وهو آمِنٌ مَحْفوف بعناية ربِّه، فلماذا إذًا تَحمَّل العناء والتعب في هجرته إلى المدينة سيرًا على الأقدام أو على بعير؟
لقد تعامَلَ النبي صلى الله عليه وسلم مع رِحلة الهجرة تعامُلَ البشر، معلِّمًا إياهم أسبابَ النجاح؛ فقد خطَّط ودبَّر: اتَّخذ الدليل والراحلة والرفيق، ترَك مَن ينام في فراشه بدلًا منه، أخفى الخبرَ إلا على مَن لهم أدوار في الرحلة، جهَّز القائم على الطعام والأخبار، غيَّر الطريق، كَمَنَ في الغار ثلاث ليالٍ؛ كل ذلك أخذًا بالأسباب.
ثمَّ كان التوكُّل على الله: الجمْع حول البيت يَخرُج مِن بين أيديهم ولا يرَونه، الجمع حول الغار والمعيَّة مِن الله تنجي، سُراقة مِن أرمى العرب على بُعْد خطوات تُسقطه الفرس، سُراقة في أول النهار جاهَد في البحث عن الرَّكْب، وفي آخِر النهار جاهَد في الدفاع عنه.
فَهِم الصحابة رضي الله عنهم من الهجرة المعنى الحقيقيَّ لقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]، ليس بالمعنى القاصِر لها؛ وإنما أيُّ أماناتٍ لأيِّ شخْص مهما كان، كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «أدِّ الأمانة إلى مَن ائْتمنَك، و لا تَخُنْ مَن خانك»[3].
ويَظهر هذا مِن ترْك عليٍّ رضي الله عنه ليُؤدِّي الأمانات التي عند النبي صلى الله عليه وسلم لأهلها- لمَن تدبَّر- لمَن آذَوه مِن كفَّار مكَّة.
هذا بعضٌ مما فَهِمه الصحابة رضي الله عنهم عن الهجرة، ومهما تتبارى القرائح، وتتحبرُ الأقلام، مُسطِّرةً فوائدَ الهجرة، فستظل جميعًا كأن لم تبرحْ مكانها، ولم تحرِّك لسانها، فيَعجِز عن حصرها كثيرٌ من الناس.
لهذا اتَّخذ المسلمون الأوائل الهجرة عنوانًا للتقويم الإسلامي؛ ليرسلوا رسالةً إلى كل المسلمين- بل إلى كل العالمين-: انظُروا إلى عظمة الإسلام ومكانتِه، وعمَلِ السلف الصالح مِن أجلِه.
ليُرسلوا رسالةً إلى كل مسلم على رأس كل عام هجريٍّ: اقرأ تاريخك واحفَظْ هذا التاريخ؛ فمَن ليس له ماضٍ، ليس له حاضِر، ولن يكون له مُستقبَل.
ليُرسلوا رسالةً إلى كل مسلم: هذا الدين أمانة في أعناقكم؛ فحافظوا عليه ولا تُضيِّعوه.
ليُرسلوا رسالةً إلى كل مسلم: هذا ما قدَّمه المسلمون الأوائل للإسلام، فماذا قدَّمتَ أنت؟
ليرسلوا رسالةً إلى كل مسلم ليُراجعْ نفسه عند ارتِكاب معصِيَة، أو عند الوقوع في خطيئة، وليسأل نفسَه: كيف سأقف يوم القيامة أمام هؤلاء العظام؟ وماذا سأقول لهم عن أمانة الدين الذي تحمَّلتُه وفرَّطتُ فيه؟
ليُرسلوا رسالةً إلى كل مسلم ليُحافظ على أخوَّته مع المسلمين، ولا يُضيِّع حُقوق هذه الأخوَّة مهما كان، ولأيِّ سببٍ.
ليُرسلوا رسالةً إلى كل مسلم كيف يَكون أساس النجاح في العمل.
ليُرسلوا رسالة إلى كل مسلم: هيَّا لنلحَقْ بركاب الهِجرة، هي هجرة لا تُكلِّف مالًا ولا جهدًا ولا تضحياتٍ عِظامًا بالمال أو الولد أو الوطن، هي هجرة مِن ذلِّ الذنوب والمعاصي لعزِّ الطاعة، ومِن ضيق الدنيا لسَعة الآخرة وجنةٍ عرضُها السموات والأرض.
رسائل كثيرة:
لكنَّ الرسالة الأخيرة في هذا المقال ليستْ هذه المرَّة مِن السلف الصالح، ولكنها رسالة مِن ربِّ العالمين، قالها في آيات نزلتْ في غزوة تبوكَ بعد سنوات طويلة مِن رحلة الهجرة، نزلت في رجب مِن العام التاسع مِن الهجرة، لمَّا تقاعَس الناس عن الخُروج للجهاد، وظهَر المنافقون والمُعوِّقون والمُخلَّفون، وكان التمحيص مِن الله، هنا ذكَّرهم الله بقوله: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40].
هذه قصَّة التقويم الهجريِّ بين الذكريات والأمنيات.
اللهم اجعلنا مِن الذين يَستمعون القول فيتَّبعون أحسنه، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالَمين.
====================
[1] www.khutabaa.com
[2] البداية والنهاية لابن كثير.
[3] صحيح؛ رواه أبو داود والترمذي والحاكم عن أبي هريرة.
الكاتب: الحريري علي عباس محمد.
المصدر: موقع الألوكة.